Blogs » Other » وداعا للحبيب

وداعا للحبيب

  • صلى الله عليك...

    ما غيثٌ همى في السهولِ وفي الجبالْ،

    وما جرى دمعٌ على الخدودِ،

    وما ارتجفتْ أضلاعُ المدى بالبكاءِ والابتهالْ.

     

    صلى الله عليك،

    يا سيدي،

    يا آخر نجمٍ أطفأهُ القدرُ على أهدابِ الليالْ،

    يا أنقى من قُبَلِ الندى،

    وأطهر من دعاءِ الرمالْ.

     

    ماتَ محمدٌ...

    فأين تُهاجرُ الطيورُ إذا احترقَ الغصن

     

    وأينَ يصحو الفجر تُ

    إن أظلمتْ فيها عيناك؟

     

    ماتَ الحبيبُ،

    فخمدتْ في المدينةِ أنفاسُ الورد،

    وناحتْ مآذنُنا...

    حتى سالت دموعُ الحجارةِ على المآلِ.

     

    يا حبيبَ القلبِ،

    لقد كنتَ كما قالت الخنساء:

    "وكنتَ كالصبحِ لمّا لاحَ مبتسمًا، وكالنجومِ إذا ما الليلُ قد نزلا."

    فأيّ فجرٍ يعوّضنا ضياءك؟

    وأيّ نجمٍ يُجبر كسر قلوبنا بعدك؟

     

    صلّى الله عليك...

    ما ودّع الحزنُ قلباً،

    وما أشرقَ حلمٌ على بقايا الرجال.

     

    أيها النائمُ في حضنِ الرحمةِ،

    أيها المسجّى بين حنانِ اللهِ وجلالِه،

    نمْ...

    نمْ، فقد بكتك الأرواحُ

    كما تبكي الأمُ رضيعها إذا انتزع منها على حين فجأة.

     

    صلى الله عليك،

    يا بدرًا أفلَ في سمائنا،

    يا عطراً خبأته الرياحُ في دفاترها،

    يا سراً مازال يسري

    في عروقِ الطهرِ إلى قيامِ الساعةِ والمآلْ.

     

    مات محمدٌ...

    وكأن الأندلسَ كلها انحنتْ،

    وكأن غرناطةَ شدّت على رأسها السوادَ،

    وكأن حماماتِ قرطبةَ وقفتْ تنوحُ عند المساجدِ والظلالْ...

     

    يا سيدي،

    يا من كنتَ لنا ملاذًا ومفزعًا،

    كأن الخنساء تبكيك معنا وهي تقول:

    "يَبكيكَ عني القلبُ مُـذ علمتُ... أنَّ الفراقَ لِمِثلكَ المَوتُ"

     

    صلى الله عليك،

    ما دامت الدنيا تعبرُ،

    وما دامت الأرواحُ تفتشُ عن نورٍ في زمنِ الضياعِ والارتحالْ.

     

    فنمْ،

    يا آخرَ العمرِ الجميلِ،

    واشربْ من كؤوسِ الخلودْ،

    نمْ، يا سيدَ الفجرِ...

    نمْ، فإنّ قلوبَنا لا تزالُ

    تحملُ اسمَك وشوقَك،

    وتنتظرُ بكاءها القادمَ

    عندَ عتباتِ ظلالك...

     

    فلا واللهِ،

    لا يُنسى الحبيبُ،

    ولا تجفُّ المآقي،

    ولا يهدأ القلبُ،

    حتى نلق

    اكَ... عند الحوضِ،

    وأنت تبتسمُ كابتسامةِ الفجرِ... حين يولدُ من صدرِ الليل.