Blogs » منهج تحصيلي » حين امتدت ظلال السماء فوق رؤوس البشر

حين امتدت ظلال السماء فوق رؤوس البشر

  • في ذلك اليوم الموعود
    حين امتدت ظلال السماء فوق رؤوس البشر
    وحمل الملائكة رسائل القضاء على قرية فسدت وأفسدت
    كان إبراهيم، أبو الأنبياء
    واقفاً كجبل لا تهزه ريحتتدفق من قلبه أنهار الشفقة والنور

    كان المشهد عظيماً
    ريح تحمل أنفاس الحساب
    وأرض تنتظر الطمس تحت أقدام الطغاة
    وإبراهيم، بوجهه الطاهر وعينيه الراجفتين
    يقف أمام الملائكة
    وفي قلبه نار حب لا تأكل إلا خوفه على أخيه

    حين همسوا إليه بالنبأ العظيم
    حين أخبروه أن تلك القرية ستطوى صفحاتها في كتاب العدم
    لم يفكر في نفسه
    لم يلتفت إلى بشرى الولد الذي انتظره دهراً
    بل انطلق قلبه لا شعوريا
    كما تنطلق السهام من أوتارها المشدودة شوقاً وخوفاً
    وهتف هتاف المحبة الخالدة
    "قال إن فيها لوطا"

    آه يا لحظة لو رآها البشر كيف تنبض!
    حب فوق حدود الأرض
    ووفاء فوق حدود النسب
    ودعوة تمتد بأخوة العقيدة أعظم من رابطة الدم

    إن فيها لوطا
    كلمة خرجت من قلب إبراهيم كأنها نداء الكون كله
    صرخة عابرة للأزمنة
    تحمل معنى الإيمان حين يصبح الحب للحق ولأهله دماً يجري في العروق

    يا إبراهيم
    لقد أنسيتك بشارة الولد
    وأنسيتك شيخوختك
    وأنسيتك طول السنين بين رجاء ويأس
    كل ذلك تلاشى
    حين شعرت أن لوطاً، رفيق دربك، مهدد بأن يمسّه سوءٌ ولو لحظة

    يا أيها الذين ترثون ملة إبراهيم
    أتعلمون أن الأخوة في الله تصنع صرخة مثل "إن فيها لوطا"؟
    أتعلمون أن المحبة في الله
    تحرك في قلوب الأنبياء خوفاً يفوق خوف الآباء على أبنائهم؟

    قال إن فيها لوطا
    صوتك يا إبراهيم نقش في لوح الخلود
    وبكاؤك صعد مع زفرات الملائكة إلى سدرة المنتهى
    ليُكتب هناك
    أن الحب بين أهل الإيمان
    أعظم من الحب بين اللحم والدم

     

    قالوا نحن أعلم بمن فيها
    أجابوه بلطف عظيم
    طمأنوه أن عيون السماء لا تنسى الأطهار
    وأن مصابيح القرى، ولو قل نورها
    لا تطفئها ريح القضاء دون أن تنتزعها الملائكة أولاً إلى دار الأمان

    وهكذا كان
    لوط نُجي ومن معه من الأطهار

    وارتفعت الأرض بمن فيها من ظلم
    ودفنت تحتها قصة الطغيان
    وبقيت كلمة إبراهيم، خالدة، تضيء للأجيال

    "قال إن فيها لوطا"

    فيا كل داع إلى الله
    ويا كل عاشق للحق في زمن التيه
    إذا علمت أن الأرض توشك أن تغرق
    فارفع صوتك كما رفعه إبراهيم
    "قال إن فيها لوطا"
    فربك أعلم
    وربك أحكم
    وربك لا يضيع المصلحين